حزب التجديد الإسلامي

وهذا البرهان آنف الذكر صحيح مُلزم بغض النظر عن توصيفنا لعلم الله بأنه: (يعلم ما كان، وما هو كائن، وما يمكن أن يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون)، وهو الحق، أو توصيفهم الفاسد: ( إن الله يعلم ما كان، وما سيكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون)، فتجدد العلم في كلتي الحالتين أمر ضروري لا مفر منه: فإذا سقطت ورقة الشجرة فعلاً، فلابد أن يعلم أنها قد سقطت وإلا كان علمه ناقصاً.
أما قولنا بأن الله يعلم ما يمكن أن يكون بدلاً من القول الباطل بأنه يعلم فقط ما سيكون، فقولنا أصح وأوسع لانه يشمل:
الصنف الأول: الأمور التي قضى الله بوقوعها من قبل (سواء كان قد قضى بذلك البارحة أو قبل ملايين السنين او عند نقطة بدء الزمن) بمشيئته واختياره الحر المطلق فهي لذلك واقعة لا محالة فعلمه بأنها ستكون ولابد، تابع وناشيء من كونه قد قضى أو قدر أو حكم بانها ستقع، قضاءً نهائياً لا يرد. مثال ذلك إخباره على لسان أنبيائه أو في كتبه: ﴿وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثٗا٨٧﴾ بالمستقبليات فمحال أن تنقلب أخبار الأنبياء كذباً، أو وعده لبعض خلقه بعطاء أو نعمة فمحال أن ينقلب وعد الله خاسئاً. فيمكن أن يقال بأن الله ألزم نفسه بإيقاع تلك الحوادث إلزاماً نهائياً لا تراجع عنه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُخۡلِفُ ٱلۡمِيعَادَ٩﴾.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿تَبَّتۡ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ١ مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ٢ سَيَصۡلَىٰ نَارٗا ذَاتَ لَهَبٖ٣ وَٱمۡرَأَتُهُۥ حَمَّالَةَ ٱلۡحَطَبِ٤ فِي جِيدِهَا حَبۡلٞ مِّن مَّسَدِۢ٥﴾، فقد ألزم الله نفسه عند نزول الآية بإقفال باب التوبة عن أبي لهب، فأصبح في حكم من مات على الكفر، مع أنه بقي أعواماً بعد ذلك حياً يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق. وألزم الله نفسه كذلك بمنع قريش من أي محاولة لإبطال النبوءة لأنه كان من الممكن جداً لدهاة قريش أن ينصحوا أبا لهب بالتظاهر بالتوبة وإحراج النبي صلى الله عليه وسلم بإستحالة الخروج من ورطة الآية، وبهذا يظهر للناس كذبه وتبطل نبوّته. فهذه السورة كذلك من أدلة النبوّة الباهرة.
الصنف الثاني: الأمور التي ستقع لتوفر شروطها وأسبابها وانتفاء اضدادها وموانع حصولها الآن، وذلك بشرط اذن الله بنفاذ ذلك وتخليته لها بأن تحدث، وهذا النوع يقبل التغيير والمحو كما قال الله تعالى: ﴿يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ٣٩﴾، إلا أن يكون قد ارتبط بها وعد من الله لبعض عباده أو خبر لأنبيائه فعندها تلحق بالصنف الأول.

تعليقات